لعبة الانتصارات الوهمية “ببجي” تهدد الاستقرار الأسري – مصدر24

لعبة الانتصارات الوهمية “ببجي” تهدد الاستقرار الأسري

عمان- أطلقت أسر أردنية نداء استغاثة لوقف الاغتراب القسري لأبنائها الذي فرضته لعبة “ببجي”، وسط دعوات إلى دراسة أسباب الانسلاخ الذي يأسر نحو مليوني شاب وشابة في الفئة العمرية من 15 إلى 25 عاما، يهدرون من وقتهم ما بين 3 إلى 12 ساعة يوميا.

وفي حين يقول أرباب أسر، إن اللعبة اجتاحت حياة مئات الآلاف من الشباب، فلم تترك صغيرا أو كبيرا إلا واقتحمت خصوصيته، وعزلته عن وسطه الاجتماعي، فإن لاعبي “ببجي” وإن أقروا بالهروب إلى عالم افتراضي فيه العنف والاقتتال والانتصارات الوهمية التي يسجلونها لأوقات قد تزيد على عشر ساعات يوميا، فإنهم يجدون لذة في عالم اللعبة الشيق الذي لا يضاهيه أي عالم.

وقالت فرات واصفة حال زوجها الذي أدمن “ببجي”، “كأن زوجي مغترب، لكن دون سفر”، لتسرد أشكالا من معاناتها من هروبه الذي ألقى على كاهلها مسؤوليات إضافية. وتابعت “اشتقت إلى زوجي الذي أدمن اللعبة منذ أشهر وأخذت جل وقته واهتمامه، بل إنه كان يلعب الـ’ببجي’ برفقة فتيات لا يعرفهن أصلا، وكنت أستمع لتبادل الأحاديث بينهم، ما أدى إلى حدوث مشكلات مضاعفة بيننا، ولتغدو حياتنا محفوفة بالمخاطر ومهددة بالانفصال”.

ويُستنتج أن جميع أفراد الفئة العمرية المنغمسة في لعبة “ببجي” يهدرون إجمالا نحو مليوني يوم عمل يوميا، وهو رقم صاعق إذا قورن بالإنتاجية المهدورة والضائعة، فضلا عن الحالة النفسية التي تنقلها اللعبة إليهم بفعل الانتصارات الوهمية التي تعتبر في نظر الكثيرين هروبا من واقع مُحبط.

وكلمة “ببجي” هي عبارة عن اختصار لجملة مكونة من 4 كلمات معناها في العربية ساحات معارك اللاعبين المجهولين، تم إصدار هذه اللعبة في سنة 2017، ولكنها اشتهرت بشكل كبير في الفترة الأخيرة من عام 2018 بعد أن أصبحت متوفرة على الهواتف الذكية وأصبحت متصدرة التطبيقات الأكثر تحميلا في عدد كبير من الدول وبالأخص في الدول العربية.

وأكد مدير خدمات وشبكات الاتصالات في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات المهندس واثق شقرة لوح، أن الهيئة تدرس حظر بعض برامج “في.بي.أن” التي تفك شيفرة حظر “ببجي” لتتحقق الغاية من حظرها بصفتها مطلبا مجتمعيا.

وأضاف شقرة، أن الهيئة لجأت إلى هذا الإجراء بعد شكاوى متكررة ليس من لعبة “ببجي” فحسب بل من تلك الألعاب المتعلقة باستهلاك حزم الإنترنت بفعل اللعب ساعات طويلة يوميا، ما يرتب عبئاً ماليا إضافيا، واعتقاداً بأن شركات الاتصالات لا تلتزم بتوفير الحزم المتفق عليها في الاشتراك الشهري ظناً أن اللعبة لا تستهلك حزم إنترنت، وهو على عكس ما ذهب إليه شقرة من أن اللعبة تستهلك نسبة كبيرة من رصيد الحزم.

أرقام صادمة وملاذ من واقع مُحبط
أرقام صادمة وملاذ من واقع مُحبط

وحذرت تقارير منظمة الصحة العالمية، من لعبة “ببجي” التي تستغرق ساعات طويلة، والتي قد تصل إلى حد الإدمان، خاصة مع إمكانية اللعب بشكل جماعي فيها، موضحة أنها تؤدى إلى تأثيرات نفسية واجتماعية على كل من يمارسها، كما أنها تحرض على العنف وتخلق روحًا عدائية وتسبب التنمر الاجتماعي، وفي عام 2018 كشفت المنظمة أن إدمان ألعاب الفيديو يسبب الاكتئاب لدى العديد من الأشخاص.

ومن جانب آخر شدد أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، على ضرورة دراسة قرار الحظر بعمق قبل إصداره، متسائلا عن الوجهة التي سيبدد الشباب وقتهم فيها، وما إذا كانوا سيعودون إلى حياتهم الطبيعية أم سيبحثون عن وسائل أشد خطراً وأكثر ضررا؟

وأعرب الخزاعي عن أمله في إجراء دراسة جادة تتناول الأسباب التي دفعت هذه الفئة إلى الانغماس في اللعبة، وكذلك الانسلاخ عن الواقع، ومعالجة الأسباب التي تتمثل في البطالة أو الإحباط أو قلة الأماكن الترفيهية.

ومن جانبه سارع “تنظيم قطاع الاتصالات” تحت ضغط شعبي إلى حظر اللعبة وفرض قيداً اعتبره البعض تدخلاً غير محمود، في حين اعتبره آخرون قراراً صائباً يعيد الشاب إلى أسرته”.

وبعد أن علمت بقرار حظر “ببجي”، لم تتمالك أم محمد نفسها لتطلق زغرودة طويلة وكأن ابنها المغترب عاد للتو من غربته، وتقول إن ابنها علي الذي يبلغ من العمر 25 سنة انقطع تواصله مع الأسرة منذ أدمن اللعبة باستثناء سويعات من اليوم، كما انقطع تواصله مع أصدقائه إلا من خلال اللعبة.

وأشارت إلى أن ابنها أحجم عن استكمال دورات علمية التحق بها بعد تخرجه من الجامعة في تخصص إدارة الأعمال، ولم يعد يبحث عن عمل ولا عن شهادات! أما عمر طالب الهندسة في سنته الثالثة فيقول “كنت أعشق اللعبة وما زلت أتوق إلى لعبها، لكن بعد الحظر أصبحت أكثر تركيزا في دراستي، ففي الأيام القليلة الماضية وجدت متسعا من الوقت لدراسة المساقات الجامعية المقررة في الفصل الصيفي، فيما كنت سابقا أراكم دروسي حتى ليلة الامتحان وأكتفي بانتصاراتي في لعبة ببجي”.

ويضيف الشاب عمر، أن تلك الانتصارات كانت تشعره بالحماسة والاندفاع، بينما هو يحاول اليوم جاهدا التأقلم مع غياب اللعبة، معربا عن أمله في إلغاء قرار حظر اللعبة. ويدعي سيف (22 عاما) أنه ليس من حق أحد أن يمنعه من ممارسة لعبته المفضلة وقال إن “من حقه أن يقضي وقته كيفما يشاء وأنه يملك الإرادة التي تمنع اللعبة من السيطرة عليه”؛ فهو يمارسها وقت فراغه فقط بدافع التسلية والترفيه ويحاول اللعب من خلال فك شيفرة الحظر “في.بي.أن”.

أفراد الفئة العمرية المنغمسة في لعبة “ببجي” يهدرون إجمالا نحو مليوني يوم عمل يوميا، فضلا عن الحالة النفسية التي تنقلها اللعبة إليهم

ومن جهة أخرى طالبت عبير أحمد، مؤسسة “اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم”، الجهات المسؤولة في مصر بغلق لعبة “ببجي” والألعاب المشابهة، وذلك حفاظا على حياة وصحة الأطفال وكذلك المراهقين.

وأوضحت أن معظم الأطفال والمراهقين في مصر يلعبون لعبة “ببجي” وغيرها من الألعاب لفترات طويلة وتحول الأمر معهم إلى ما يشبه الإدمان، لافتة إلى أن أولياء الأمور يعانون بشدة مع أبنائهم خاصة ممن هم في سن المراهقة من أجل الإقلاع عن هذه الألعاب، لكن دون جدوى.

وطالبت عبير أولياء الأمور داخل الأسرة بعدم ترك أبنائهم لفترات طويلة مع هذه الألعاب، وشددت على ضرورة الاستفادة من الوقت في القراءة وممارسة الرياضة وكافة الأنشطة التي تفيدهم بدلا من انعزالهم.

وقررت عدة دول حظر لعبة “ببجي” على أراضيها بسبب مخاطرها وآثارها السلبية على الأطفال والمراهقين والشباب، في حين أكد خبراء أن حجب الألعاب الإلكترونية الخطيرة غير مفيد على الإطلاق، لأنه بمجرد حجب هذه الألعاب ستتم إعادة تشغيلها مرة أخرى بسهولة، ونبهوا إلى أن الرقابة تتم من داخل المنزل، لأن الأسرة تلعب دورا أساسيا في مواجهة هذه الألعاب.

'