فوضى استطلاعات الرأي تغذي ظاهرة العزوف عن الانتخابات في تونس – مصدر24

فوضى استطلاعات الرأي تغذي ظاهرة العزوف عن الانتخابات في تونس

فوضى استطلاعات الرأي تغذي ظاهرة العزوف عن الانتخابات في تونس

أجندات سياسية وراء بعض منفذي استطلاعات الرأي وسط حديث عن ضخ أموال كبيرة لإنجاح هذا المسار.
تونس – حذر سياسيون ومحللون تونسيون في تصريحات لـ”العرب” من أن فوضى استطلاعات الرأي قد تحقق نتائج عكسية تماما، وبدل أن تزيد من التنافس ورفع نسب المشاركة فإنها قد تؤدي إلى عزوف شبه كامل عن المشاركة في الانتخابات خاصة لدى فئات الشباب الذين باتوا يميلون إلى الانكماش بسبب الصراع بين السياسيين.
وأثار استطلاع أخير للرأي نسب إلى شركة فرنسية نقدا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن ظهر أن غايته الرئيسية إضفاء هالة على مرشح جديد للانتخابات الرئاسية تثار حوله الكثير من النقاشات بسبب توظيفه قناة تلفزيون خاصة في حملة ذات بعد خيري استمرت لأشهر قبل أن يعلن أخيرا عن نية الترشح، وهو ما فهم على أنه خطة مبيتة منذ البداية لاستثمار معاناة الناس في البروز السياسي.
ودفعت هذه الضجة الشركة الفرنسية إلى إصدار بلاغ تنفي فيه أن تكون نشرت نتائج استطلاع للرأي حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس، بثه موقع فيسبوك وتداولته وسائل الإعلام، داعية الناخبين التونسيين إلى “أقصى درجات اليقظة”.
أحمد نجيب الشابي: هناك قوى تستعمل استطلاعات وهمية للتأثير على الانتخابات
ونشرت نتائج الاستطلاع، التي أظهرت أن قطب الإعلام نبيل القروي سيفوز بمنصب الرئيس، مع حلول حزب النهضة الإسلامي في الطليعة في الانتخابات التشريعية، مع شعار الشركة الفرنسية “فيزاكتو” المتخصصة في الرسوم البيانية لوسائل الإعلام.
وتم بث النتائج، الخميس، على صفحة في فيسبوك تم إنشاؤها اليوم نفسه باسم “فيزاكتو كونسلتنغ”، وتداولتها وسائل الإعلام وأحد النواب قبل أن يكتشف مستخدمو الإنترنت وموقع “بيزنس نيوز″ الخدعة.
ولم يكن وجود استطلاع وهمي بأمر مستغرب في مشهد سياسي تونسي يتسم بالعنف في الخطاب وإطلاق الإشاعات في غياب مدونة سلوك سياسي ملزمة لجميع الفرقاء.
واعتبر المعارض التاريخي أحمد نجيب الشابي أن هناك قوى تحاول استعمال سبر الآراء الوهمية للتأثير على الانتخابات. كما أن هناك شركات استطلاع تعمل حسب الممولين وتؤثر في الرأي العام.
وقال الشابي في تصريح لـ”العرب” إن “النتيجة أننا نعيش اليوم في ضبابية مطلقة، فبعض الشخصيات ليس لها ماض سياسي تخوض الانتخابات بقوة المال وبتوظيف العمل الخيري، لافتا إلى وجود أسماء تتقدم الآن في سبر الآراء نتيجة عمل شعبوي بمال مشبوه.
وتظهر بعض الاستطلاعات أن القروي هو الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية وكذلك النهضة في الانتخابات التشريعية.
ويعتبر مراقبون سياسيون في تونس أنه يمكن الوثوق بهذه الاستطلاعات بشكل معتدل فهي عادة ما توضح الاتجاهات الرئيسية، لكن ذلك لا يلغي وجود أجندات لدى بعض منفذيها وسط حديث عن ضخ أموال كبيرة لإنجاح هذا المسار.
ويتساءل المحلل السياسي منذر ثابت عن السبب وراء صعود الجدل الأخير بشأن عمليات سبر الآراء إلى الواجهة في وقت كان هناك صمت مطبق تجاهها في السابق بما يترجم رضاء الأحزاب السائدة عن هذه التقنية المتعلقة بدراسة تطورات الرأي العام.
وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أنه ليس من المصادفة أن نشهد هذا الانقلاب الجذري في الموقف من عميلة سبر الآراء بعد صعود أو تصاعد شعبية شخصيات مستقلة مثل نبيل القروي وقيس سعيد بما يفضح الطبيعة الانتهازية في المواقف المعبرة عنها من بعض الأحزاب والجهات.
وحذّر من أن الرهانات على عمليات سبر الآراء سياسية بامتياز ويمكن أن تتحول إلى أداة للتلاعب وتطويع الرأي العام، داعيا إلى إيجاد إطار قانوني لتنظيم عمل هذه المراكز.
وكتبت الشركة الفرنسية على فيسبوك، الجمعة، إن الاستطلاع وهمي. وأضافت أن “إحدى صفحات فيسبوك تستخدم شعارنا والعلامة التجارية الخاصة بنا وتنشر معلومات مغلوطة عن الانتخابات المقبلة في تونس″.
وتابعت الشركة “لسوء الحظ، تم نشر هذا الاستطلاع المغلوط على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي ولكن تم تداوله أيضا من قبل مرشحين ووسائل الإعلام”، قبل أن تقوم فيسبوك بتعليق الصفحة.
وأضافت “ندعو المرشحين والإعلام والناخبين في تونس إلى أقصى درجات اليقظة وعدم نقل معلومات كاذبة”.
وزادت الضجة بشأن استطلاعات الرأي بعد صعود حزب “تحيا تونس″ المنشق عن حركة نداء تونس، والذي يتهم بأنه يوظف إمكانيات حكومية كبيرة مستفيدا من وجود يوسف الشاهد على رأس الحكومة، لكن الأمور بدأت تخرج على المنطق السياسي مع تغيير الشخصيات المستفيدة مع كل استطلاع جديد، خاصة بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية.
منذر ثابت: الاستطلاعات يمكن أن تتحول إلى أداة للتلاعب وتطويع الرأي العام
وفيما استمر الشاهد لبعض الوقت على رأس استطلاعات الرأي بسبب أنشطته الحكومية وظهوره الإعلامي شبه اليومي، فإن ظهور شخصيات أخرى وبشكل سريع يوحي بأن الاستطلاعات لا تخضع لمقاييس علمية مضبوطة بقدر ما تعكس صدى لحسابات سياسية.
وبحسب نتائج نشرتها مؤسسة “إلكا للاستشارات” (خاصة)، منتصف مايو الماضي، جاء نبيل القروي صاحب قناة “نسمة” (خاصة)، في المرتبة الأولى بـ32 بالمئة، يليه قيس سعيد أستاذ القانون في الجامعة التونسية بـ17 بالمئة، ثم الرئيس السابق المنصف المرزوقي (2011-2014) بـ7 بالمئة.
وحلت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر (ينتسب إلى النظام السابق) بـ6 بالمئة، والصافي سعيد (كاتب) بـ5 بالمئة، ورئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد بـ4 بالمئة.
وأرجع رئيس “سيغما كونساي” حسن الزرقوني هذه التحولات إلى أن “الناخبين لم تعد لهم ثقة في الأحزاب؛ بسبب نقض الوعود الانتخابية، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتردّي المشهد السياسي بالانشقاقات في الأحزاب المدنية، خاصة نداء تونس″.
وتوقع الزرقوني أن “يكون شعار استحقاق 2019 حول من مع المنظومة السياسية القائمة ومن هو ضد أو خارج تلك المنظومة”.
وتابع “وهذا ما يفسر بروز الحزب الدستوري الحرّ بطريقة قوية، ونبيل القروي، وقيس سعيّد، وشخصيات آتية من الخارج، مثل ألفة الترّاس″.

'