اللاجئون السوريون في تركيا: من “ضيوف” إلى “أعداء” – مصدر24

اللاجئون السوريون في تركيا: من “ضيوف” إلى “أعداء”

أنقرة – بدأت النتائج العكسية لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تلقي بظلالها لا فقط على الرئيس التركي وحزبه الحاكم “العدالة والتنمية”، بل جرّت وراءها أيضا العديد من الضحايا، ويأتي في المقدمة اللاجئون السوريون في تركيا، الذين تحولوا من “ضيوف” إلى “أعداء”.

موجة رهاب وعنصرية كبيرة تنتشر في تركيا ضد اللاجئين السوريين، وصلت حد تهديدهم بالقتل ومهاجمة محلاتهم ومخيماتهم والأحياء التي يسكنون فيها. مجرد إبداء ملاحظة على عدد اللاجئين الهائل في شوارع إسطنبول يكون الرد عليه بكم هائل من العبارات العنصرية والحديث عن “الغزو” السوري الذي يهدد الأتراك في قوت يومهم وفي أعمالهم وتعليمهم ومستقبلهم.

لم يعد باب تركيا “مفتوحا” للاجئين كما كان من قبل، وحتى الرئيس التركي نفسه، بدأ يغير من لهجته في الحديث، وبعد أن كان السوريون “إخوة وأخوات في الدين” و”أصدقاء” و”ضحايا” يحتاجون إلى استقبالهم لأسباب “إنسانية”، أصبحت الحاجة ملحة لعودتهم إلى ديارهم.

وقد قال رجب طيب أردوغان في إحدى تصريحات، قبيل الانتخابات الأخيرة في تركيا، في مسايرته لموجة الغضب الشعبي من اللاجئين السوريين، “نريد من إخواننا وأخواتنا من اللاجئين أن يعودوا إلى أرضهم ومنازلهم. لا يمكننا أن نبقي 3.5 مليون شخص هنا إلى الأبد”.

وتثير أعمال الشغب هذه التي هزت منطقة كوتشوك شكمجة قبل عشرة أيام وكانت الأحدث في دائرة العنف ضد السوريين، مخاوف من تدهور أوضاعهم في مناخ متقلب يشهد جسارة في التعبير عن كره الأجانب وخصوصا خلال حملة الانتخابات البلدية الأخيرة.

وتستقبل تركيا حاليا عددا من اللاجئين السوريين يزيد عما يستقبله أي بلد آخر في العالم. فهي تستضيف 3.5 ملايين سوري بينهم 500 ألف في إسطنبول. وحضر هؤلاء لكي يبقوا بصورة مؤقتة، لكن إقامتهم امتدت فيما تواجه تركيا وضعا اقتصاديا متدهورا أثر على مشاعر كرم الضيافة التي باتت اليوم على المحك.

الباب المفتوح

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية سنة 2011، اعتمدت تركيا سياسة “الباب المفتوح” في ما يتعلق باستقبال اللاجئين السوريين. وعملت الحكومة التركية على الترويج لهذه السياسة الليبرالية عبر خطاب إنساني يلمح إلى أن اللاجئين السوريين في تركيا هم ضيوف استقبلتهم البلاد. وانطلى هذا الخطاب على الشعب التركي في البداية.

وعندما أغرقت تدفقات اللاجئين أوروبا في عام 2015، لم يستطع الاتحاد الأوروبي إيجاد حل متوافق عليه حول هذه الأزمة، وفي خضم الجدل الذي قسم الدول الأوروبية حول حصص توزيع اللاجئين، لم يكن هناك من خيار مطروح أفضل من الاتفاق مع تركيا.

نجحت تركيا في ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تبحث عن معالجة تدفق اللاجئين بأي ثمن، حتى لو كان اتفاقا مثيرا للجدل مع تركيا. تم التوصل إلى هذا الاتفاق في مارس 2016، يقضي بكبح تدفق الهجرة واللجوء عبر بحر إيجه مقابل مزايا سياسية ومساعدات مالية لأنقرة.

أصبح المهاجرون السوريون أهدافا متكررة للاعتداءات الجسدية، وخاصة في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد وضواحي المدن الكبرى

في تلك الفترة، استثمر أردوغان قضية اللاجئين بشكل كبير وعلى مختلف الأصعدة، فوظفها كورقة في حملة الانتخابات وفي الترويج لصورة أنقرة في الخارج، فتحدث عن تجنيس اللاجئين السوريين وعن إدماجهم في المجتمع ودورهم في تنمية الاقتصاد التركي، واستغل ورقة اللاجئين لتبرير العملية العسكرية في عفرين، حيث قال إن أحد الأهداف الرئيسية للعملية العسكرية في عفرين تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم، على الرغم من أن معظم اللاجئين في البلاد ينحدرون من أماكن أخرى في سوريا.

واليوم يدفع اللاجئون السوريون ثمن هذه السياسات. كانت تركيا، مثلها مثل جزء كبير من المجتمع الدولي، تتوقع أن نظام الأسد لن يدوم طويلا. لذلك، أعلنت الحكومة في أنقرة سياسة “الباب المفتوح” تجاه اللاجئين الفارين من سوريا في أكتوبر 2011. لكن، عندما تراكمت أعداد اللاجئين، ظهرت مشكلة كانت مخفية عن أنظار الحكومة التي اكتشفت انزعاج المواطنين الأتراك من المهاجرين وعدم استعدادهم لتحملهم.

أصبح المهاجرون السوريون أهدافا متكررة للاعتداءات الجسدية، وخاصة في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد وضواحي المدن الكبرى. وعوّض السوريون الأفارقة وأوروبا الشرقية ليصبحوا نقاطا رئيسية قامت عليها “خطابات الكراهية” التي انتشرت في وسائل الإعلام المكتوبة ومنصات التواصل الاجتماعية التي تصدر عن جل شرائح المجتمع.

وموجة العداء ضد السوريين، انتشرت منذ سنوات، وهي ليست حديثة العهد، فقد سبق أن شهدت أحياء تركية العديد من الاضطربات. ففي محافظة هاتاي التركية سنة 2012، فجّرت التوترات “العرقية” بين السوريين (معظمهم من المسلمين السنة) والسكان المحليين، وأغلبهم من العلويين، مظاهرات مناهضة للسوريين.

وإثر انفجار سيارتين مفخختين في ريهانلي التابعة للمحافظة في 11 مايو 2013، هاجم السكان المحليون سيارات السوريين. وفي مواجهة الهجمات المتزايدة ضد اللاجئين، حاولت الحكومة نقل بعضهم إلى سوريا تحت حراسة الشرطة في 13 مايو 2013.

وشهدت أضنة وأنطاليا حالات عنف مشابهة، وأحرقت خيام السوريين في أضنة ومنازلهم في ألتنداغ بأنقرة. وكانوا يواجهون بلافتات عدم الترحيب في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول. وأرسل مكتب محافظ أنطاليا إخطارا لأكثر من 1500 لاجئ سوري بمغادرة المدينة، قائلا إنهم جلبوا معهم توترات اقتصادية واجتماعية وألحقوا الضرر بقطاع السياحة.

وبعد تصريحات المحافظ، هاجم بعض السكان المحليين اللاجئين السوريين في منطقة مانافغات في أنطاليا، حيث دمروا منازل اللاجئين السوريين وسياراتهم. وشهدت مدينة غازي عنتاب على الحدود التركية السورية مظاهرات وهجمات على السوريين بعد أن قتل لاجئ سوري أحد الأتراك. وتأججت الاحتجاجات في إزمير، أين صرخ السكان المحليون “نحن لا نريد السوريين”. كانت جميع هذه التحركات من بين المؤشرات الدالة على تفاقم المشاعر المعادية للسوريين وانتشارها في جميع أنحاء البلاد.

وقال دوغوس سيمسيك، المحلل التركي المختص في شؤون الهجرة، منتقدا “إن موجة من رهاب الأجانب تدمر حياة اللاجئين السوريين في تركيا حيث يُنظر إليهم كمجرمين، متهمين بسرقة الوظائف ومسؤولين عن أي شيء خاطئ يحدث. التحريض الإعلامي وتقاعس الدولة يعملان على تأجيج الأزمة.”

ويضيف سيمسيك أنه نظرًا للعدد المتزايد من اللاجئين السوريين المنتشرين في مدن وقرى تركيا، فإن كره الأجانب ارتفع مستواه في المجتمع التركي. حيث تسلط التصورات حول اللاجئين السوريين الضوء على الخوف من العيش مع الأجانب، ولاسيما في ظل ظهور الشواغل المحلية الرئيسية مثل الوضع الاقتصادي والتوتر الاجتماعي، حيث يتهم العديد من المواطنين الأتراك “السوريين” بـ”شغل وظائفنا ومنازلنا”، وأن “السوريين لا يتكيفون مع ثقافتنا”، وأن “الجريمة في تركيا تزداد بسبب السوريين”.

وكنتيجة لهذا التصنيف السلبي، لا يريد الكثير من السكان المحليين أن يعيش اللاجئون السوريون في مدنهم، ولا يريدونهم أن يظهروا في الحياة العامة. ويرغب الكثير من الأشخاص، الذين تحدثت إليهم في إسطنبول، في بقاء اللاجئين السوريين في المخيمات؛ ولا يريدون أن يعيشوا بينهم.

أصبح الخطاب المعادي للهجرة والتمييز شائعا بين السكان المحليين. وبدأت المظاهرات ضد اللاجئين السوريين والاعتداءات الجسدية عليهم في الظهور. وفي مواجهة التصعيد الأخير الذي يضع أنقرة في مأزق سعت أذرع النظام التركي إلى التخفيف من حدة الأمر من خلال العودة إلى خطاب الأخوة والإنسانية.

وفي أحدث المتابعات نشرت وكالة أنباء الأناضول تقريرا، بدا واضحا أنه ردا على التحقيقات التي نشرتها وكالتا “رويترز” و”أي.أف.بي”، حول أحداث العنف التي وقعت في كوتشوك شكمجة والتي يؤكد السكان أنها لم تكن يوما بهذا الحجم، حتى أن الشرطة اضطرت لاستخدام الغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشد.

أحمد ياسين يعمل في صالون للحلاقة في حي كوتشوك شكمجة في اسطنبول، وكان من بين ضحايا العنف الذي اجتاح المنطقة
أحمد ياسين يعمل في صالون للحلاقة في حي كوتشوك شكمجة في اسطنبول، وكان من بين ضحايا العنف الذي اجتاح المنطقة

وتقول الوكالة إنه منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 وإلى يومنا هذا، ثمة اتفاق داخل تركيا على التعاطي الإنساني مع اللاجئين السوريين، رغم الاختلاف حول الموقف السياسي من الأزمة. فبينما ذهب حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى أقصى حد في الانخراط الفعلي والتدخل الميداني في المسألة السورية، معتبرا شمال سوريا منطقة حساسة ذات تأثير مباشر على الأمن الاستراتيجي لتركيا، رجحت أحزاب المعارضة التعاطي السلبي مع القضية السورية باعتبار سوريا، كما بقية دول الشرق الأوسط، مستنقعا للخلافات الدولية والإقليمية، يجب النأي بتركيا عن الدخول في أتونه، على غرار المقاربة السياسية الكلاسيكية لتركيا.

لكن رغم الاختلاف في وجهات النظر حول الموقف السياسي، بقي التعاطي الإنساني تجاه اللاجئين السوريين محل إجماع شعبي ورسمي. ونفت الوكالة وجود خطاب كراهية وعنصرية عام أو ممنهج ضد السوريين، زاعمة أن الأكثرية الساحقة من الشعب التركي تقف ضده.

وهو الأمر الذي تنفيه أرقام دراسة نشرتها جامعة قادر هاس في إسطنبول الأسبوع الماضي أكدت أن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54.5 بالمئة إلى 67.7 بالمئة في 2019. ومع تراجع الوضع الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة، يشار إلى السوريين باستمرار بإصبع الاتهام.

وفي رد على هذه الأرقام تستطرد وكالة الأناضول قائلة إنه لا يمكن إنكار وجود زمرة قليلة تتبنى خطاب العداء والكراهية، وهي رغم قلة عددها، فإنها الأعلى صوتا والأكثر جلبة وضجيجا، والأقدر على الحشد، خصوصا بين صفوف الشباب والعاطلين عن العمل، والمؤدلجين ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته.

نظرية المؤامرة

كالعادة، تحظر نظرية المؤامرة في أي تبرير للمواقف المنتقدة لسياسة النظام التركي، حيث يشير تقرير الأناضول إلى أن العنصرية وخطاب الكراهية يتلقى الدعم من بعض الأطراف الدولية. وسعت الوكالة إلى تعميم الظاهرة قائلة إن ارتفاع منسوب خطاب الكراهية والتحريض ضد الآخر، الأجنبي أو المخالف، في الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي، ليس محصورا في نطاق تركيا وحسب، بل إنه تحول إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية مقلقة، باتت تهدد الأمن والسلم المدني للدول، وتأتي دول الاتحاد الأوربي في مقدمة الدول التي تعاني من هذه الظاهرة الخطيرة.

وأضافت أن هناك أسبابا وظروفا وعوامل موضوعية، ساهمت إلى حد كبير في دفع قضية اللاجئين السوريين إلى السطح مرة أخرى. لكن العامل الأبرز حول حرص بعض القوى داخل تركيا وخارجها على استخدام ورقة السوريين كخاصرة رخوة، يمكن من خلالها النيل من الرئيس أردوغان وحكومته.

وبررت أسباب الموقف السلبي من السوريين بارتفاع عدد اللاجئين بحيث أصبحوا يشكلون ما يقارب من 4.6 بالمئة من عدد سكان تركيا، وكذلك طول أمد اللجوء السوري، حيث بات يقارب العقد من الزمن، ومنها أيضا اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، بما فيها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، ومنها العمليات العسكرية التي لا بد من أن تسقط خلالها ضحايا من الجنود الأتراك، لكن أخطر تلك الأسباب على الإطلاق، هو الصورة النمطية التي يحاول البعض ترسيخها في ذهن المواطن التركي، من قبيل “أن السوريين في تركيا متورطون بشكل كبير في الجرائم، ويسلبون الأتراك أعمالهم لأنهم يشكلون يدا عاملة رخيصة..”، إلى ذلك من مفردات الخطاب العنصري والتحريض السياسي، الذي يفتقر إلى الصحة والموضوعية.

وبدا الخطاب الإعلامي للوكالة التركية الرسمية معارضا للموقف التركي الشعبي، في الحديث عن أن السوريين رغم ضخامة عددهم، والظروف المتاحة بل وتشجيعهم من طرف السلطات التركية، لم ينجحوا من تشكيل “دياسبورا” سورية ذات مؤسسات تعمل بطريقة منظمة، الأمر الذي ينفيه عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية والذين أصبحت لهم حقوق كما حقوق المواطنين الأتراك.

'